هل سبقَ لك أن خالفتَ وصايا الشريعة؟ إنّه أمرٌ لا يرغب أحدٌ منّا القيام به، ولكنّ الواقع هو أنّ الكثيرين منّا يخفون ضعفاتهم، آملين ألاّ يكتشف الآخرون آثامنا ويفضحوا خِزيِنا. ولكن ماذا لو تمّ اكتشاف ذلك؟ ما الذي تأملُ فيه حينها؟
كذلك سورة لقمان (سورة 31) تُذكّرنا
تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ.
(سورة لقمان 31: 2-3)
سورةُ لقمان تُعلِنُ أنّ ’’فاعلي الخير‘‘ يمكن أن يأملوا في ’’الرحمة‘‘. وكذلك سورة الحجر (سورة 15) تطرحُ سؤالاً في غاية الأهميَّة.
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ.
(سورة الحجر 15: 56)
ماذا بالنسبة إلى أولئك الضالّين؟ كانت رسالة المسيح لأجل أولئك الذين ضلَّوا ويحتاجون إلى رحمةٍ غير مُستَحَقَّة. كان لدى النبيّﷺ الفرصة ليُظهر (هذه الرحمة) لشخصٍ قد تعرَّض للخزي
حدث هذا لامرأة شابّة بينما كان النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام) يعلِّم. يورد الإنجيل ذلك على النحو التالي.
2 وَفِي الصَّباحِ الباكِرِ ذَهَبَ إلَى ساحَةِ الهَيْكَلِ ثانِيَةً حَيْثُ جاءَ إلَيْهِ الجَمِيعُ، فَجَلَسَ وَبَدَأ يُعَلِّمُهُمْ. 3 وَأحضَرَ مُعَلِّمُو الشَّرِيْعَةِ وَالفِرِّيْسِيُّونَ امْرأةً أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي. وَجَعَلُوها تَقِفُ وَسَطَ النّاسِ. 4 ثُمَّ قالُوا لِيَسُوعَ: «يا مُعَلِّمُ، أُمْسِكَتْ هَذِهِ المَرْأةُ مُتَلَبِّسَةً بِجَرِيْمَةِ الزِّنا.» 5 وَقَدْ أوْصانا مُوسَى فِي الشَّرِيْعَةِ بِأنْ نَرْجُمَ مِثلَ هَذِهِ المَرْأةِ، فَماذا تَقُولُ أنتَ؟» 6 قالُوا هَذا لِيَمْتَحِنُوهُ، فَيَكُونَ لَهُمْ ما يَتَّهِمُونَهُ بِهِ.
لَكِنَّ يَسُوعَ انْحَنَى وَبَدَأ يَكْتُبُ عَلَى الأرْضِ بِإصْبِعِهِ. 7 وَلَمّا ألَحُّوا فِي السُّؤالِ، وَقَفَ وَقالَ لَهُمْ: «حَسَناً! مَنْ كانَ مِنْكُمْ بِلا خَطِيَّةٍ، فَلْيَكُنِ البادِئَ بِرَمْيِها بِحَجَرٍ.» 8 وَانحَنَى مَرَّةً أُخْرَى وَأخَذَ يَكْتُبُ عَلَى الأرْضِ.
9 فَلَمّا سَمِعُوا هَذا، بَدَأُوا يُغادِرُونَ المَكانَ واحِداً بَعْدَ الآخَرِ بَدْءاً بِالأكْبَرِ سِنّاً. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ مَعَ المَرْأةِ الواقِفَةِ أمامَهُ. 10 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَقالَ لَها: «أيْنَ هُمْ؟ ألَمْ يَحكُمْ عَلَيْكِ أحَدٌ؟» 11 قالَتْ: «لا أحَدَ يا سَيِّدُ.» فَقالَ لَها يَسُوعُ: «وَلا أنا أحكُمُ عَلَيْكِ. فَاذْهَبِي وَلا تَعُودِي إلَى الخَطِيَّةِ فِيما بَعْدُ.» (يوحنا 8: 2-11)
نحن نرى أنّ هذه المرأة قد ضُبِطَت وهي تمارس فِعلَ الزنى، وقد أراد معلِّمو شريعة النبيّ موسى (عليه السلام) لها أن تُرجَم بالحجارة، لكنّهم اقتادوها إلى النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام) اوّلاً ليعرفوا ما كان سيقوله في هذا الشأن. هل سيؤكِّد أو يدعم حقائق الشريعة التي يتساءلون عنها. (بالمناسبة، وفقًا للشريعة، فإنّ كلاًّ من الرجل والمرأة كانا يخضعان للرجم، ولكنَّ المرأة وحدها قد أُحضِرَت أمامه لتلقى العقاب).
عدالة الله و خطيئة الجنس البشريّ
لم ينقُض عيسى المسيح (عليه السلام) الشريعة – لقد كانت هذه الشريعة المعيار الذي أنزله الله، وكانت تعكس العدالة في كمالها. لكنّه قال إنَّه فقط أولئك الذين كانوا بلا خطيئة يمكنهم أن يرموا الحجر الأوّل. حينما فكَّر المعلِّمون بهذا، استقرَّت صحَّة العبارة التالية من الزبور في عقولهم
اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ
عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ
هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ
3الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا.
لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا،
لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. (مزمور 14: 2- 3)
إنَّ ما يعنيه الزبور هو أنّ من يرتكبون الخطيئة ليسوا فقط الملحدون والكافرون والمشركون – حتّى اولئك الذين يؤمنون بالله وبرسلهِ يُخطئون أيضًا. في الواقع، وفقًا لهذه الآيات، عندما ينظر الله إلى الجنس البشريّ، لا يرى حتّى ’واحدًا‘يعمل صلاحًا.
كانت شريعة موسى (عليه السلام) من ترتيب الله للبشر وكانت ترتكز على العدالة المطلقة، وأولئك الذين تقيَّدوا بها أمكنهم الحصول على البِرّ. ولكن كما رأينا، كان المعيار مطلقًا لا يسمح حتّى بانحرافٍ واحدٍ (عمّا جاء في الشريعة).
رحمة الله
ولكن بما أنَّ ’كلَّ شيءٍ قد فسَدَ‘، فإنَّ هناك حاجةٌ إلى تدبيرٍ جديدٍ. وهذا التدبير لن يكون فقط العدل على أساس الجدارة – لأنّ الناس لن يتمكَّنوا من التقيُّد بالتزاماتهم (التي تدعو إليها الشريعة) – ولذلك كان يجب أن يكون مرتكزًا على صفةٍ أُخرى من صفات الله – الرحمة. سوف يبسط الله الرحمة بدلاً من الإلزام. سبقَ وأن تحقَّق هذا في شريعة النبيّ موسى (عليه السلام) عندما منحَ حَمَلُ الفصح الرحمة والحياة لأولئك الذين وضعوا الدم وجعلوه على العتَبَة العُليا، ومع بقرة هارون (عليه السلام) [التي سمِّيَت سورة 2 – البقرة – باسمها]. وكان منتظرًا أو متوقَّعًا قبل ذلك حتّى في الرحمة التي أظهرها الله في الثياب لآدم، وفي ذبيحة هابيل (عليه السلام)، وفي الرحمة المعطاة للنبيّ نوح (عليه السلام). كما كانت أيضًا مُنتَظَرَة أيضًا في الزبور عندما وعدَ الله بأنّ
أُزِيلُ إِثْمَ تِلْكَ الأَرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. (زكريّا 3: 9)
كيف تمَّ تلقِّي هذه الرحمة؟ رأينا مثال النبيّ ابراهيم (عليه السلام). لقد آمنَ بوعد الله ووهبه الله البرَّ. على الرغم من أنّنا قد لا نفهم تمامًا هذه الوعود، إلاّ أنّه يتوجَّب علينا أن نثق بها وبالأحكام التي أعطاها الله لنا.
طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. (متى 5: 7)
و
’لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. (متى 7: 1-2)
ارحَموا كي تُرحَموا
ثمَّة احتمالٌ كبيرٌ جدًّا بأننا سوف نحتاج، أنت وأنا، إلى الرحمة المقدَّمة لنا في يوم الدينونة. كان النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام) مستعدًّا لمنح الرحمة لشخصٍ قد خالف الوصايا بشكلٍ واضحٍ – لشخصٍ لم يكن يستحقّها. كان يمكنها فقط أن تثق برحمته. على الرغم من أنّه لايزال لدينا الكثير الذي علينا أن نتعلّمه، على أقلّ تقدير، نحن نعرف أنّنا في حاجةٍ أيضًا إلى تقديم الرحمة إلى الذين من حولنا. قد يكون هذا تعليمًا حكيمًا نقتدي به في أيّامنا عندما نكون سريعين جدًّا في الحكم بشدّة على أخطاء وخطايا الذين من حولنا. ولأنّنا سريعون جدًّا في الحكم على خطايا الآخرين، هناك الكثير من الصراعات من حولنا. دعونا نسأل الله أن يُعيننا لكي نصبح أشخاصًا، كما فعل النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام)، يقدِّمون الرحمة إلى الذين من حولنا حتّى يتسنّى لنا أيضًا، نحن غير المستحقّين، أن نأمَل في الحصول عليها عندما نكون في حاجةٍ إليها.