سورة التوبة (سورة 9) تُثيرُ نقاشًا لأنّها تناقش موضوع الجهاد. تُقدِّم الآية إرشادًا للمعركة الماديَّة، لذلك، هناك تفسيرات مختلفة لعلماءٍ مُتعدّدين. الآيتان من سورة التوبة اللّتان تناقشان هذا الموضوع هما:
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
(سورة التوبة 9: 41-42)
سببُ التوبيخ في سورة التوبة لأنّه لو كان السفرُ إلى المعركة سهلًا، لكانوا قد تبعوا، ولكن أولئك الذين يرغبون في ’’الجهاد‘‘ يختفون حين يكون السفرُ صعبًا. تُسجِّل الآيات اللاحقة أعذار ونقاشات هؤلاء الأتباع غير المُخلصين. تقدِّم لنا سورة التوبة هذا التذكير :
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ.
(سورة التوبة 9: 52)
يأتي هذا التحذير لأنّه عادة ما يكون هناك نتيجتان مُحتمَلتان: الموت (الاستشهاد) أو النصر. ولكن ماذا لو كان الجهادُ كبيرًا إلى درجة أنّه سيؤدّي إلى كِلا النتيجتين – كُلًّا من الشهادة والنصر. كان هذا هو الجهاد الذي واجهه النبيّ عيسى المسيح عليه والسلام، في رحلته الطويلة إلى أُورشليم – بوصوله إلى هناك حين كان القمر هلالاً لتحقيق نبوءات أنبياء الزبور قبل مئات السنين.
الدُخول إلى أورشليم
سورة الإسراء (سورة 17) معروفةٌ بما أنّها الرحلة اللّيليّة للنبيِّ مُحمَّدﷺ، حيث جاء ليلاً لوحده من مكَّة مُمتطيًا البُراق الطائر.
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
(سورة الإسراء 17: 1)
كان عيسى المسيح عليه والسلام، ذاهبا بالضبط إلى المكان نفسه، كما في الرحلة ليلية. لكنَّ عيسى المسيح كان له غرضٌ مختلف. بدلًا من إعطائه آيات، دخل عيسى المسيح إلى القدس للقيام بآيات. لذلك جاء علنًا في النهار بدلاً من الليل، راكبًا على حمارٍ بدلاً من البُراق. على الرغم من أنّنا قد لا نعتقد أنّ ذلكل لا يُثير الإعجاب كما هو الحال في المجيء على البُراق المُجَنَّح، إلاّ أنّ وصوله إلى أورشليم إلى الهيكل في ذلك اليوم على ظهر حمار ، كان آيةً واضحة للناس. سوف نفسٍّر كيف كان ذلك.
النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام) قد كشف عن رسالته عندما أقام لعازر من الموت وهو الآن متوجِّهٌ إلى أورشليم (القدس). وقد تمَّ التنبُّؤ بطريقة وصوله قبل مئات السنين. يوضِّح الإنجيل ذلك على النحو التالي:
وفي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 13فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ:
‘‘أُوصَنَّا!’’
‘‘مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!’’
’’مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!’’
وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:
‘‘لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صَهْيَوْنَ؛
هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي
جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ’’.وَهذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تَلاَمِيذُهُ أَوَّلاً، وَلكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ، حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ، وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هذِهِ لَهُ.
وَكَانَ الْجَمْعُ الَّذِي مَعَهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَعَا لِعَازَرَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. لِهذَا أَيْضًا لاَقَاهُ الْجَمْعُ، لأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ هذِهِ الآيَةَ. فَقَالَ الْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ‘‘انْظُرُوا! إِنَّكُمْ لاَ تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هُوَذَا الْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!’’.(يوحنا 12: 12-19)
دخول عيسى المسيح – بحسب داوُد
بدءًا من النبيّ داود (عليه السلام)، كان الملوك اليهود القُدامى يمتطون كلّ سنةٍ صُهوة حصانهم المَلَكيّ ويتقدَّمون موكبًا من الناس إلى أورشليم (القُدس). أعاد عيسى المسيح العمل بهذا التقليد عندما دخل أورشليم راكبًا حمارًا في اليوم الذي نعرفه باسم أحد الشعانين. ردَّد الناس لعيسى المسيح الترنيمة نفسها من الزبور كما فعلوا لداود:
خَلِّصْنا الآنَ،
نَتَوَسَّلُ إلَيكَ يا اللهُ!
يا اللهُ، نَتَوَسَّلُ إلَيكَ،
أنجِحْ مَسعانا.
مُبارَكٌ هُوَ الآتِي بِاسْمِ اللهِ.
مِنْ بَيتِ اللهِ نُبارِكُكَ.
يهوه هُوَ اللهُ، وَسَيَقبَلُنا.
فَاربُطُوا ذَبِيحَةَ العِيدِ بِزَوايا المَذبَحِ.(مزمور 118: 25-27)
رنَّم الشعب هذه الترنيمة القديمة التي كُتِبَت للملوك لأنّهم علموا أنّ عيسى قد أقام لعازَر من الموت، ولذلك كانوا متحمِّسين لدى وصوله إلى أورشليم. وكانت العبارة التي صرخوا بها ‘أوصنَّا’ تعني ‘خَلِّصْ’ – تمامًا كما كان قد كُتِبَ في المزمور 118: 25 قبل فترةٍ طويلة. ما الشيء الذي كان ،سيُنقذهم’ منه؟ ننتقل إلى النبيّ زكريّا.
الدخول الذي تنبَّأ به زكريّا
على الرغم من أنّ عيسى المسيح أعاد العمل بما كان يفعله الملوك السابقون قبل مئات السنين، إلاّ أنّه فعل ذلك بطريقةٍ مختلفة. إنّ النبيّ زكريّا (عليه السلام)، وهو الذي قد تنبَّأ باسم المسيح الآتي، قد تنبَّأ أيضًا بأنّ المسيح سوف يدخل أورشليم راكبًا على حمار. يُبيِّن الجدول الزمنيّ النبيّ زكريّا، تاريخيًّا، جنبًا إلى جنب مع أنبياء آخرين تنبّؤا بأحداث أحد الشعانين.
استشهدَ إنجيل يوحنا بجزءٍ من تلك النبوءة أعلاه (بالنصّ الأزرق). في ما يلي نبوءة النبيّ زكريّا كاملة:
اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ!
اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ!
هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ،
هوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ،
وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ،
وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ.
وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ
وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ،
وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ.
وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ.
وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ
وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ.
وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ،
قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ. (زكريا 9: 9-11)
إنّ هذا الملك الذي تنبَّأ عنه زكريّا سيكون مختلفًا عن غيره من الملوك. فهو لن يصبح ملكًا باستخدام ‘المركبات’ و ‘أفراس الحرب’ و ‘قوس المعركة’. في الواقع، سوف يقوم هذا الملك بإزالة هذه الأسلحة، وسوف ‘يُعلن السلام للأُمم’ بدلاً من ذلك. لكنّ هذا الملك سيكون عليه، مع ذلك، أن يكافح لهزيمة العدوّ. سيكون عليه أن يُجاهد كما هو الحال في الجهاد الأعظم.
وهذا يصبح واضحًا عندما نعرف العدوّ الذي تقول النبوءة إنّ على هذا الملك أن يواجهه. إنّ عدوَّ الملك عادةً، هو ملكٌ آخر من أُمّةٍ مُعادية، أو هو جيشٌ آخر، أو هو ثورةٌ مِن قِبَل شعبه، أو من أشخاصٍ يقفون ضدّه. لكنّ النبيّ زكريّا كتبَ أنّ الملك الذي أظهر نفسه وهو راكبٌ على ‘حمارٍ’ و ‘يتكلَّم بالسلام للأمم’، سوف ‘يُطلقُ الأسرى من الجبّ الذي ليس فيه ماءٌ’ (v11). كان البئر هو الطريقة العبريّة للإشارة إلى القبر أو إلى الموت. سوف يقوم هذا الملك بتحرير الذين كانوا سجناء، ليس مِن قِبَل حكّامٍ طُغاةٍ، ولا مِن قِبَل سياسيِّين فاسدين، أو مُحاصَرين في سجونٍ مِن صُنع الإنسان، إنّما أولئك الذين كانوا ‘أسرى’ الموت.
عندما نتحدّث عن إنقاذ الناس من الموت، فهذا يعني إنقاذ شخصٍ ما بحيث يُقضى على الموت. على سبيل المثال، قد نقوم بإنقاذ شخصٍ يغرق، أو تقديم دواءٍ ما يُنقذ حياة أحد الأشخاص. هذا ‘الإنقاذ’ يعمل فقط على تأجيل الموت لأنّ الشخص الذي تمَّ إنقاذه سوف يموت في وقتٍ لاحقٍ. لكنّ زكريّا لم يكن يتنبّأ عن إنقاذ الأشخاص من الموت، بل عن ملكٍ سوف يقوم بإنقاذ الذين هم أسرى الموت – أولئك الذين قد ماتوا فعلاً. إن مجيء الملك راكبًا على حمار الذي تنبّأ به زكريّا، كان لمواجهة وهزيمة الموت نفسه – تحرير أسراه. وهذا يتطلَّب كفاحًا هائلاً – جهادًا لم يسبق له مثيلٌ مِن قَبل. يُشير العلماء أحيانًا إلى ‘الجهاد الأكبر’ لصراعاتنا الداخليّة، و ‘الجهاد الأصغر’ لصراعاتنا الخارجيّة. من خلال مواجهة ‘البئر’، سوف يواجه هذا الملك كلَّا من هذه الصراعات أو الجهاد.
ما هي الأسلحة التي كان الملك سيستخدمها في هذا الجهاد أو الصراع مع الموت؟ كتب النبيّ زكريّا أنّ هذا الملك سوف يأخذ فقط ‘‘دمَ عَهدِكَ’’ إلى معركته في الجُبِّ. سيكون دمه السلاح الذي سيواجه به الموت.
من خلال دخول أورشليم (القدس) على حمار، أعلن عيسى أنّه هو هذا الملك – المسيح.
لماذا بكى عيسى المسيح (عليه السلام) حزنًا
في يوم أحد الشعانين، عند دخول عيسى المسيح إلى أورشليم (الذي يُعرَف أيضًا بالدخول المُنتَصِر)، عارضهُ الرؤساء الدينيّون. يصفُ إنجيل لوقا ردّ فعل عيسى المسيح على معارضتهم.
وَفِيمَا هُوَ (عيسى المسيح) يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: ‘‘إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ (مجيُّ اللهُ إليكِ)’’. (لوقا 19: 41-44)
قال عيسى المسيح، على وجه التحديد، ينبغي أن يكون القادة قد ‘عرفوا وقت مجيء الله’ في ‘هذا اليوم’. ما الذي كان يعنيه؟ ما الذي قد فاتهم معرفته؟
كان الأنبياء قد تنبَّؤا ﺑ ‘اليوم’
قبل قرونٍ، تنبَّا النبيّ دانيال (عليه السلام) بأنّ المسيح سوف يأتي بعد 483 سنة من إصدار مرسوم إعادة بناء أورشليم. لقد قمنا بحساب أنّ السنة التي توقّعها دانيال هي 33 ميلاديّة – سنة دخول عيسى المسيح إلى أورشليم راكبًا على حمار. إنّ التنبُّؤ بسنة الدخول قبل مئات السنين من حدوثه، هو أمرٌ مُذهلٌ. لكن يمكن حساب الزمن باليوم. (يُرجى المراجعة هنا) أوّلاً لأنّنا نعتمد على ذلك.
لقد توقَّع النبيّ دانيال 483 سنة ،باعتبار السنة هي 360 يومًا، قبل إعلان المسيح عن نفسه. وبناء على ذلك، فإنّ عدد الأيّام هو :
483 سنة * 360 يومًا/سنة = 173880 يومًا
من حيث التقويم الدَوليّ الحديث الذي يقول إنّ عدد أيّام السنة هو 365.2422 يومًا، فهذا يكون 476 سنة زائد 25 يومًا إضافيًّا. (173880/365.24219879 = 476، يتبقّى 25)
متى صدرَ مرسوم إعادة بناء أورشليم الذي بدأ هذا العَدُّ التنازليّ؟ لقد صدرَ:
فِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ… (نحميا 2: 1)
لم يُحَدَّد في أيِّ يومٍ من نيسان (شهرٌ في التقويم اليهودي)، ولكن من المُرجَّح أن يكون ذلك في 1 نيسان بما أنّ هذا اليوم هو بداية السنة الجديدة، ممّا يمنح الملك سببًا للتحدُّث إلى نحميا خلال الاحتفال. كما أنّ الأوّل من نيسان سيكون علامة القمر الجديد لأنّ الأشهر كانت قمريّة (مثل التقويم الإسلامي). حُدِّدَت الأقمار الجديدة بالطريقة الإسلاميّة التقليديّة – من خلال مراقبة رجال مُعتَرَف بهم ظهور القمر الجديد (الهلال). بواسطة علم الفك الحديث، يمكننا معرفة متى كان الظهور الأوّل في سنة 444 قبل الميلاد لذلك القمر الجديد الذي يُحدِّد الأوّل من شهر نيسان. تكمن الصعوبة في معرفة إذا كان الهلال الأوّل قد شوهِدَ فعلاً مِن قِبَل المراقبين في ذلك اليوم، أو إذا كان قد فاتهم مشاهدته وتأخّرت بداية نيسان يومًا واحدًا. تضعُ الحسابات الفلكيّة ظهور هلال الأوّل من نيسان من السنة العشرين للإمبراطور الفارسيّ أرْتَحْشَستّا، في الساعة 10 مساءً من يوم 4 نيسان سنة 444 قبل الميلاد بحسب التقويم الحديدث [2]. إذا فات المراقبون رؤية الهلال، سيكون الأول من نيسان في اليوم التالي، أيّ 5 مارس، 444 قبل المسيح. في كلتا الحالتَين، سيكون المرسوم الفارسي لإعادة بناء أورشليم قد صدر في 4 أو 5 مارس سنة 444 قبل الميلاد.
إنّ إضافة 476 عامًا من الوقت الذي تنبَّأ به دانيال إلى هذا التاريخ، تصلُ بنا إلى 4 أو 5 مارس، عام 33 ميلادي. (ليس هناك سنة 0، يبدأ التقويم الحديث من 1 قبل الميلاد إلى 1 ميلاديّة في سنةٍ واحدة، بحيث يكون الحساب هو -444 + 476 + 1 = 33). بإضافة 25 يومًا المتبقيّة من الوقت الذي تنبّأ به دانيال إلى 4 أو 5 آذار/مارس، سنة 33 ميلاديّة، يكون الناتج 29 أو 30 آذار سنة 33م كما هو موضَّح في الجدول الزمنيّ أدناه. كان 29 آذار/مارس سنة 33م هو يوم أحد – أحد الشعانين – اليوم نفسه الذي دخل فيه عيسى (عليه السلام) إلى أورشليم راكبًا على حمار، مُعلنًا أنّه المسيح. نحن نعرف ذلك لأنّ يوم الجمعة التالي كان يصادف عيد الفصح اليهودي – وكان موعد عيد الفصح دائمًا هو 14 نيسان. و 14 نيسان في سنة 33م كان يوافق 3 نيسان/أبريل. وبما أنّه كان قبل 5 أيّام من يوم الجمعة 3 نيسان/أبريل، فقد كان أحد الشعانين في يوم 29 آذار/مارس.
من خلال دخوله أورشليم في 29 آذار/ماس سنة 33م راكبًا على حمار، حقَّق النبيّ عيسى كلاًّ من نبوءة زكريّا ونبوءة دانيال – باليوم. وهذا ما يوضّحه الجدول الزمنيّ أدناه.
هذه النبوءات العديدة التي تحقَّقَت في يومٍ واحدٍ، تُظهِر الآيات الواضحة التي استخدمها الله لإعلان خطّته بشأن المسيح. لكن بعد ذلك في نفس اليوم، حقّق عيسى المسيح أيضًا نبوءةً أُخرى للنبيّ موسى (عليه السلام). بقيامه بذلك، أطلق الأحداث التي من شأنها أن تؤدّي إلى جهاده ضدّ ‘الجُبّ’ – عدوّه الموت. سوف نتطرَّق إلى ذلك لاحقًا.
في ما يلي، كيف تعني كلمة ‘جبٍّ’ للأنبياء، وبعض الأمثلة على ذلك:
‘‘لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ’’. (إشعياء 14: 15)
لأَنَّ الْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. الْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو الْهَابِطُونَ إِلَى الْجُبِّ أَمَانَتَكَ. (إشعياء 38: 18)
يَا رَبُّ، أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ. (مزمور 30: 3)
للتحويل بين التقويمين القديم والحديث (على سبيل المثال، 1 نيسان = 4 آذار، سنة 444 ق.م)، ولحساب الظهور القديم لهلال الأقمار، استخدمتُ مؤلَّف الدكتور هارولد دبليو هوهنير (Dr, Harold W. Hoehner) جوانب التسلسل الزمني لحياة المسيح (Chronological Aspects of the Life of Christ). 1977. الصفحة 176.